نحنا الثورة والغضب |
إسقاط النظام, إستقالة الحكومة, تغيير النظام الطائفي, إستعادة الأموال المنهوبة, محاربة الفاسدين من أركان السلطة الحاليين والسابقين, وغيرها الكثير من المطالب الحياتية والمعيشية التي يرزح تحتها المواطنون اللبنانيون من الشمال إلى الجنوب, مروراً بالبقاع. اللبنانيون على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والطائفية اتحدوا اليوم من أجل تغيير الوضع القائم, أو لنقل من هم خارج الأحزاب وغير المنضووين تحت انتماءاتهم الطائفية خرجوا إلى الشارع من أجل ايصال صوتهم, والانتفاض بوجه السلطة التي اعتادت إفقار اللبنانيين وتجويعهم.
لليوم الثاني عشر من بدء الانتفاضة الشعبية, اللبنانيون لا يزالون في الطرقات, يفترشون الأرض كلٌ في منطقته, يواصلون الاعتصامات من أجل إسقاط النظام الطائفي برمته. هكذا بدأ الأمر, نزلنا, نحن الخارجون عن الانتماءات الطائفية والسياسية, إلى الشارع من أجل قول "لا" مدوية في وجه الجوع والذل. هكذا بدأنا, حركة عفوية, غير منظمة, حملنا العلم اللبناني, صرخنا بأعلى أصواتنا, علّ القابعون في بروجهم العالية يسمعون, علّهم يدركون أن في لبنان من هو رافض وجودهم, رافض سجننا في اقفاص طائفية يحرّكونها حين يستشعرون الخطر.
بعد انقضاء مهلة ال 72 ساعة التي أعطتها السلطة لنفسها لإقرار ورقة سمّوها إصلاحية, علّها تنفّس غضب الشارع قليلاُ, أتى الرفض مدوياً من قبل الشارع, الذي رفض استغبائه وتخديره بوعودٍ جديدة, لا تسمن ولا تغني من جوع! كان جواب المنتفضين برحيل السلطة جمعاء بدءً برئيس الجمهورية وليس أقل من ذلك.
حسناً, إسقاط الطبقة الحاكمة, ومحاسبة السارقين الذين اغتنوا من فرض الضرائب على الشعب, وسرقة المال العام, واجراء انتخابات نيابية مبكرة, كلها شعارات ومطالب محقة, لكن أين آلية التنفيذ وكيف السبيل للخروج من هذا النفق المظلم؟
لنبدأ بالإيجابيات: هذه الانتفاضة الشعبية العارمة, أظهرت أن في لبنان من هو خارج عن العباءات الطائفية والسياسية المعروفة في لبنان, أن في لبنان من هم رافضين لكل الطبقة السياسية الحاكمة منذ ثلاثين عاماً, تتغيّر الوجوه أحياناً, لكن الممارسة ذاتها, نفس المنطق الفاسد المتحكّم بعقلية من يتبوأ السلطة, من سهولة سرقة المال العام, وفرض الضرائب, وغياب المقومات البديهية في أي دولة, من تأمين الكهرباء والماء, ومجانية الطبابة, وغياب فرص العمل التي تنحصر بالمستزلمين وأتباع المسؤولين. كل هذا الاستسهال في إهانة اللبناني سببه عدم المحاسبة, وتكرار ذات التمثيلية الفاشلة خلال الانتخابات النيابية للأسباب المعروفة, وإعادة انتخاب الوجوه ذاتها.
الإيجابية الثانية هي كسر حاجز الخوف لدى المنتفضين, الخوف من الزعيم, من زعران الزعيم, الخوف من التهديد بلقمة العيش, الخوف من اهتزاز الأمن, حتى الخوف من الآخر الذي غذّاه أولئك المتآمرين على الشعب والوطن, ومحاولاتهم الدائمة ببث الرعب في نفوس اللبنانيين أن الآخر يسعى إلى الإلغاء, إلى احتكار لبنان له وحده. كل هذا انكسر وذهب إلى غير رجعة, والفضل يعود لهذه الانتفاضة الشعبية.
من ايجابيات حراك الشعب اللبناني, أو من هم في الشارع اليوم, أن المافيا التي تحكمنا فهمت أنه لا يمكنها الاستمرار في السياسات ذاتها, من دون حسيب أو رقيب, والدليل هذه الورقة الاصلاحية التي وُلدت من رحم معاناة الشعب اللبناني, أي أن هناك إمكانية لعدم فرض ضرائب جديدة, لكنهم كانوا يظنون أن الشعب مخدر وغير قادر على الانتفاض في وجههم.
كل هذا يدفعنا إلى مراجعة عاقلة لما حدث, وأن الأوان قد حان للبدء بخطوات عملانية على الأرض, من قبل السلطة والمنتفضين على حدٍ سواء, ألاّ نبقى أسيري الشعارات. على السلطة البدء بتطبيق الإجراءات التي وعدت بها, حتى لو كنا لا نصدّقها, لكن الخروج من الشارع لا يكون الا بالتطبيق العملي لمرة واحدة وأخيرة لانقاذ ما يمكن انقاذه. تجاربنا على مدى السنوات مع هذه السلطة تدفعنا لعدم تصديقها, فهي أصلاً فاقدة للمصداقية, ولكن عليها واجبلات الالتزام بما وعدت به, وهذا ليس ترفاً!
بالنسبة للمنتفضين, والتجاوب الشعبي الكبير معهم, عليهم إثبات جديتهم, والتركيز على الحلول, وألاّ يتحوّل الأمر كالمثل الشعبي (لا بدن يقتلوا الناطور ولا بدن ياكلوا عنب), هناك الكثير من المخارج التي تحفظ الانجازات التي حققتها هذه الانتفاضة, لكن حذارِ الإحباط! الإحباط الذي بدأ يتسلل إلينا بفعل بعض الممارسات التي لا تليق بثورة شعبية محقة, على الثورة أن لاتصبح كرنفالاً, أو متنفساً لمن هم في السلطة ويحاولون تسلّق الانتفاضة وتحقيق أهدافهم من خلالها, فما رأيناه في اليومين الماضيين لا يُطمئن, من التركيز على أشخاص معينين والتلذذ بكيل الشتائم لهم, كالوزير جبران باسيل, أو التصويب على حزب الله بشكل حصري ومحاولة مساواة السيد حسن نصر الله باقطاب الحرب والفساد. التصويب يجب أن يكون على كل الفاسدين, وليس حصر الأمر بشخص وإلباس الحرب على "كلن يعني كلن" بشخص الأمين العام لحزب الله! هذا الأمر مريب وكأن المقصود هو النيل من المقاومة وسيّدها, وأنا كواحدة من المنتفضين لا اقبل بهذا الأمر, السيد ليس في السلطة, لديه وزراء ونواب نعم, لكنه كشخص لا يمكن وليس مقبولاً أن يتساوى مع مجرم كسمير جعجع مثلاً! سمير جعجع مجرم وقاتل, السيد حسن لا! ومن يتلطى خلف شعار "جعجع واحد منن ونصر الله كمان" عليه أن يُراجع حساباته! أين الهتافات ضد فؤاد السنيورة, واشرف ريفي؟ وهل نسيتم فتّوش وكساراته؟ وليد جنبلاط هذا الطائفي والمجرم الأكبر في هذه الجمهورية اللعينة, لماذا لم يذكره أحد ويطالب بمحاسبته؟
الرقص, الأرغيلة, الكرنفالات, واستجلاب راقصة الى الحراك ليسوا في صالح الانتفاضة, هذه انتفاضة غاضبة, ومحقة, أما هذه السلسلة البشرية التي جرت بالأمس لم أفهم كيف انها يمكن أن تُسقط نظام, واليوغا أيضاً!
انتفضنا لنطالب بحقوقنا, لنصرخ عالياً في وجه الفقر, لنقف متراساً ضد سرقة المال العام, ولاستعادة الأموال المنهوبة, لتغيير نظام عاث فساداً على مدى ثلاثون عاماً, والعالم بأسره احترمنا لذلك, لا تحوّلوا هذه المطالب لكرنفالات أو للسخرية... وإياكم والإحباط! هذا الإحباط الذي اصابني, وأصاب الكثير من المنتفضين نظراً لغياب الأُفق, وعدم الجدية في طرح الحلول. لا نريد إعادة تجرية العام 2011, حين نزلنا إلى الشارع لنطالب بإسقاط النظام الطائفي, فدخلنا في دهاليز, أفقدتنا الأمل, وجعلت من هم في السلطة يستأسدون علينا!
إلا الإحباط, فلنحافظ على عفويتنا, ولنعقّلن الأمر, لأن التعنّت والإصرار على البقاء في الشارع, لن يحقق مُرادنا, والأهم علينا طرد كل من تسوّل له نفسه النيل من الحراك, وتحقيق مآربه على حساب نقاء ثورتنا...
#لبنان_بنتفض
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق