كل الأشياء... بثينة العيسى

غلاف الرواية

أن تعثر على رواية, غلافها عبارة عن صورة لشخصيات تركت أثراً في حياة الشعوب بشكلٍ من الأشكال, منها غسان كنفاني وحنظلة, مع عنوان للرواية يقول "كل الأشياء" كفيل بإثارة فضولك, وجعلك تتخيّل مضمون ما ستقرأ. فتبدأ بالصفحة الأولى لتتعرّف على جاسم العائد من لندن, إثر تلقيه مكالمة هاتفية من شقيقه, تُعلمه بوفاة والده.

تسير بنا الرواية بشكل متوازن بين الماضي والحاضر, لنختبر مع جاسم المسجون السابق بسبب كتاباته النقدية, المشاعر التي تختلط عليه, بسبب ما عاناه قبل أربع سنوات, والذي اتخذ على إثره قراره بالهجرة إلى لندن. تُعيده الشوارع والأماكن التي عاد إليها, إلى ذكرياته التي حاول كثيراً الهروب منها, ليجد أنه عالق في ماضيه, أن الأمكنة لم تغادره يوماً, الروائح, الوجوه, كنبة والده, علبة سجائره... ودانة.

دانة التي ستصبح في الصفحات المقبلة هي الحكاية, بعد أن حاول جاسم إبعادها عن حياته, والهروب منها إلى عالم آخر, كي يقدر على العيش بسلام, أو هكذا كان يظن!

كل الأشياء للكاتبة الكويتية بثينة العيسى هي رواية عاطفية بامتياز, فيها من التشويق ما يجعلك تبقى مشدوداً للأوراق بين يديك دون أن تقوى على وضع الرواية جانباً. هي رواية جاسم الذي يمثّل كل مواطن عربي في هذه البقعة الجغرافية المُسماة بالوطن العربي, جاسم الكويتي, كاتب انتفض على الواقع السياسي في بلده, ودوّن كلماته في مقالات نقدية, ليقول الحقيقة بدون تجميل, فيلقى مصيره مسجوناً في أقبية المخابرات, ثمناً لصوته الذي ارتفع في وجه الفساد والاستغلال.

تسير الرواية على وقعٍ متسارع, بذكريات الكاتب الذي يقصّ علينا المعاناة التي عاشها في بلده, ومنزل والديه. والده عبد المحسن العظيمي, الذي ربّى فيه الأخلاق, ورفض كل ما هو ضد المصلحة العامة, لتشتعل بينهما الحروب الخفية, بعد رفضه أفكار ابنه, فيصبح ذاك الصوت العالي مواجهة مع جاسم ووالده, ومن هنا تبدأ الحكاية.

الحكاية بشخوصها المتعددة, تسير بنا إلى قصة الحب المعقدة بين جاسم ودانة, دانة داوود التي لم يخبرها  أنها حبيبته, وأنه غير قادر على الزواج بها, بسبب رفض عائلته المفترض, ليتركها إلى مصيرها, ويغادر إلى لندن, لإكمال دراسته, وهجرة وطنه, هنا تكتمل الحكاية!

التشويق الذي اعتمدته العيسى في قصّ حكاية جاسم ودانة, تُشبه حل الألغاز التي يعتمدها كتّاب التشويق خاصة في الأفلام, حيث يُفاجئنا الكاتب أو الراوي بأحداث لم تخطر لحظة على بالنا, وهو ما أعطى الرواية هذه الفرادة, كعادتها العيسى الكاتبة الكويتية, التي لها إصدارات عديدة, أكثرها روايات, متخصصة في هذا النوع من الروايات التحفيزية, تلك التي تدفعنا إلى التفكير بما حدث للأبطال, وما الذي أوصلهم إلى هذه الطريق دون غيرها. تُشبه إلى حدٍ بعيد رواية خرائط التيه, الصادرة عام 2015, لما فيها من شد عصب, ودفعنا لتحليل مجريات الأحداث ووضع رؤية مسبقة حول نهاية الحكاية.

بثينة العيسى, الكاتبة التي تستحق تدوينة خاصة بها, كي يتعرّف إليها العدد الأكبر من القرّاء, لما في كتاباتها من عمق وجدية, والأهم صدق ما تتناوله من موضوعات حياتية, على بساطتها, مؤثرة في طرحها المتعمق في "كل الأشياء", وهي بذلك تختلف عن أُخريات ممن يكتبن لمجرد ملأ الصفحات بحكايا لا تُغني ولا تُسمن من جوع. العيسى التي استطاعت فرض نفسها من خلال كتاباتها, التي لها بصمة خاصة, من خلال قول الحقيقة كم هي, مهما بلغت قساوتها, فنحن نعيش في وطن متأزم, أيّا تكن تسمية هذا الوطن, المسيّج بألف حكاية وحكاية من القمع, والفقر, والتشرّد, والخذلان! ليس خذلان الأحبة وحسب, بل خذلان الوطن, وهذا الخذلان الأكبر! أن تدفعننا أوطاننا للهروب منها, وهجرتها, أو تُقفل الخيارات في وجوهنا, لتسيّجنا في حدود الكراهية, والحقد. الحقد على وجودنا في هذا الوطن, السجن الكبير!

الحديث عن بثينة العيسى لا ينتهي, وكما ذكرت سابقاً, سأغوص في عوالم رواياتها في تدوينة منفصلة لاحقاً, أعود لرواية "كل الاشياء" الصادرة عام 2016 عن الدار العربية للعلوم ناشرون, تقع في 333 صفحة,هنا بعض الاقتباسات:

• في لحظة ما تنظر إلى وجهك ثم ترى فيه الرجل الغريب, وتصير الأجنبي الذي تلمحه في ناصية الشارع, ولا تملك حتى المبررات اللازمة لتحيته. سوف يمرُّ أحدكما بجانب الآخر دون أن ينظر في عينيه, ويذهب كل واحد منكما في اتجاه معاكس, ويغيبُ في الزحام, وفي تلك اللحظة لن تعود الشخص نفسه أبداً.

• ما يؤلمنا ليس الماضي, بل المستقبل الذي لن يحدث. كل الاحتمالات المهدورة لذلك الشخص الذي كان بإمكانك أن تكونه, لو لم تنظر إلى وجهك في المرآة وتكتشف أنك لا تعرفه. تخيّل لو أنك لم تصطدم بالغريب في داخلك, أنك لم تكن الشخص الغريب, أن الغريب بقي غريباً, من تُراك ستكون؟

• الأحمق وحده يظن أن في وسعه أن يهزم الماضي.

لزيارة صفحة المدونة على الفايسبوك من هنا

تذكير بالحسم 50% على جميع الروايات والكتب المتوفرة في مكتبة عزازيل - دير الزهراني (الطريق العام - خلف مبنى البلدية)